ألقيت اليوم نظرة على عناوين الكتب في مكتبتي فتوقفت عند كتاب الأيام لطه حسين فتبسمت!
قرأ ت الكتاب منذ عشر سنوات تقريباً ولم يعلق بذاكرتي من عباراته سوى هذه العبارة “المرأة التي أبصرت بعينيها” وهو عنوان الفصل الخامس عشر الذي أفرده للحديث عن زوجته سوزان. ابتسمت مغمضةً عيني لأن عبارته هذه ظلّت على مر عقدٍ من الزمن يقظةً في بالي لم أنساها ولم تمت. الذي أذكره أن قراءتي لسيرة طه حسين لم تكن مثيرة للحد الذي أتوقف عند شيء منها، إلا أن هذه العبارة لوحدها تمكّنت مني طوال هذه السنين وتشرّبها مخّي بإخلاص مما زاد الأمر تعقيداً وبصيرةً في الوقت ذاته.
“المرأة التي أبصرت بعينيها” قالها طه حسين لزوجته سوزان التي جعلت شقاءه سعادة، وظلمته نوراً، وأخرجته من غربته وعزلته.. فكانت تقرأ عليه الكتب والتراجم في التاريخ والأدب واللغات، وتُحدّثه عن الناس، وتصحبه في نزهات للمشي في الطبيعة. وبرغم اختلافهما في المذهب والجنسية والثقافة- فهي الفرنسية النصرانية وهو المصري المسلم – فقد دام زواجهما أكثر من خمسين عاماً كانت له عيناه اللتان كان يرى ويقرأ بهما العالم!


وبالرغم أن هذه العبارة خرجت من طه حسين لأنه أعمى كان يرى الحياة من عيني حبيبته وزوجته إلا أن معناها بالنسبة لي كان له عميق الأثر حين قرأتها للمرة الأولى، ذلك أني ظللت كل هذه السنوات أنظر لشريك الحياة من هذا المنظار..
فماذا يعني أن تُبصر الحياة من عيني شريكك؟ ماذا يعني أن تُبصرها من خلال حكمته وأفكاره وآرائه؟ ماذا يعني أن يكون شريكك هو النظّارة التي تريك مالم تكن تراه من قبل؟ ماذا يعني أن يعلمك فن الحياة إن تشتتت رؤيتك يوماً أو ضللت الطريق؟ ماذا يعني أن يكون شريكك مُبصراً في الوقت الذي تجفو عيناك من السهر والتعب؟
هكذا جاءت الأسئلة في بالي حين قرأت العبارة قبل عشرة أعوام.. وكانت “أبصرت” هي الكلمة التي استفزت انتباهي واستثارت تفكيري، حيث أن طه حسين وهو أعمى قال مرةً: “بدونك أشعر أنني أعمى حقاً”، فعبارة “المرأة التي أبصرت بعينيها” يريد أن يصل بها إلى ماهو أعمق من الرؤية التي هي ضد العمى والتي يعني بها البصيرة..
ويبدو أن هذا هو الذي جعل من هذه نقشاً محفوراً في رأسي : ) وأصبَحت بعد ذلك معياراً صعباً لاختيار شريك الحياة!
الحياة هبة غالية من الرحمن، والسعي لتعلم كيفية عيشها واجب على كل إنسان، والتفكير بمشروع “شراكة الحياة” يتطلب الفحص الدقيق لاستعداد الاخر لأن يكون نظّارتك في بعض الأحيان وتكون نظّارته كذلك.. الفكرة أن يكون لدى الاثنين بصيرة وأن يبصران الطريق سوياً، والحل: إما أن تعيش مع شخص مُبصر أو تكتفي بنظّارتك الخاصة.
ولمساعدتك؛ هذه أسئلة تتغير إجابتها من شخص لآخر ومن وقت لآخر، ولكنها تفيد في تحديد قيم تبدو واضحة لتُقرر الارتباط بشريك الحياة:
- فماذا يعني أن يكون شريك/ ـة حياتك مُبصراً؟
- وماذا يعني الإبصار بالنسبة لك؟
- وماذا يعني أن تُبصر من عيون شريكك/ شريكتك؟