هل أي شخص ممكن أن يصبح رائد أعمال؟

بالأمس كنت أستمع في كلوب هاوس في غرفة (عرض المشاريع التقنية) الذي يعرض فيه رواد الأعمال مشاريعهم على مستثمرين، فسأل المحاور المستثمرين هذا السؤال:

هل أي شخص ممكن أن يصبح رائد أعمال؟

لم أسمع رد بعض المستثمرين لأني لم أحضر اللقاء منذ البداية ولكن كنت أريد أن أدخل وأجيب من وجهة نظري كشخص في طريقه لريادة الأعمال.

أؤمن دائماً بالحديث: “إنما العلمُ بالتعلُّم والحِلمُ بالتحلُّم”. فكل شخص يستطيع أن يتعلم صناعة جديدة ويتصف بصفات يكتسبها مع الوقت. والتجربة هي أفضل وسيلة لتمرين واختبار القدرات وأن يعرف الشخص نفسه أكثر.. ماذا يريد أن يكون وماذا يريد أن يعمل؟ وهذه الأسئلة التي لايزال المرء يستمر في البحث عن إجابتها طوال حياته.

باعتقادي أن كل المهارات والصفات قابلة للتعلم إذا رغب فيها الشخص كما يقال “المرء سيّد رغباته”، فما أن يرغب بشيء حتى يتفنن بطرق الحصول عليه. ولكن هذه الرغبة غير كافية لوحدها لأن كل مجال يتطلب قدرات ومهارات محددة قد تكون بذاتها نقاط ضعف في الشخص فبدلا من أن يعمل على تطوير نقاط ضعفه ربما يجدر به أن يلتفت إلى نقاط قوته ويعززها بمجال آخر يرغبه ويحبه. في ريادة الأعمال هناك مهارات شخصية مهمة تتطلب من رائد الأعمال أن يتصف بها غير تلك المهارات المهنية والخبرة التي يحملها، من أهمها بوجهة نظري:

  • مهارة التعلم السريع والمستمر: وهذا أكبر تحدي يبدأ به الريادي رحلته، لأن طبيعة نمو الشركات الناشئة سريع جداً وحتى يكون مواكباً لمشروعه الذي ينمو بسرعه يجب أن ينمو هو كذلك معرفياً ومهارياً بالسرعة نفسها وأن يكون لديه الاستعداد لإتقان هاتين المهارتين معاً.
  • مهارة التعلم الذاتي: استطراداً للنقطة السابقة، فالفرق أن الموظف الذي يعمل في قطاع خاص أو حكومي يحصل على تدريب وبرامج تطويرية من الجهة التي يعمل فيها، فمسألة نموه معرفياً وتطوره مهارياً موكولة لصاحب العمل الذي يخطط له البرامج المناسبة مسبقاً والتي تناسب مساره المهني، بينما رائد الأعمال هو قائد لنفسه قبل أن يقود مشروعه فهو الذي يقوم بالبحث عن مصادر التعلم المتنوعة ويجربها بنفسه وربما يتنقل بين المصادر باحثاً عن القيمة والجودة وهذا يأخذ وقتا، فضلاً عن أنه لاينحصر تعلمه في مجال واحد فقط كما المسار المهني الواضح للموظف بل يجب أن يتعلم “أساسيات” كل شي مثل التسويق والتقنية والأعمال والبيع والسوق والتوظيف حتى يستطيع أن يدير ويتخذ قرارات لتحقيق رؤيته وإنجاح مشروعه.
  • خصلة الصبر: ريادة الأعمال رحلة طويلة وتحتاج نَفَس طويل وبال طويل وصدر واسع يتسع لهواء الشمال في ليلة هبوب لأن النتائج ليست سريعة وهي رحلة ليست مغرية بل شاقة تتطلب مقدرة الشخص أيضاً أن يتكيء على نفسه أحياناً وأن يواجه التحديات ويصمد أمام العثرات التي تحاول ثنيه عن مشروعه.
  • مهارة تقبُّل الفشل: لا أعتقد أن شخصاً لا يطور قابليته لتقبل الفشل سينجح في الشركات الناشئة، فالفشل حتماً سيجد طريقه رغماً عن رائد الأعمال وربما سيباغته! فالمهارة التي يجب أن يتصف بها رائد الأعمال ليبقى هو ومشروعه بصحة جيدة هو أن يتوقع هذه اللحظة ويستعد لها ويتعلم كيف يتعامل مع الفشل حين يحدث وكيف يتعلم منه أيضاً، وأن يعتبر الفشل فرصة لنجاح مقبل بإذن الله تعالى.
  • مهارة طلب المساعدة: رائد الاعمال يحتاج دعماً طوال مسيرة المشروع فهو لايستغني عن المساعدة من الخبراء والمستثمرين لأنه يدرك أن المركبة تحتاج لمحركات وأساطيل وقوى خارجية داعمة وأنه ليس بمقدوره التغلب على التقلبات والأمواج وحده، لذلك يستثمر في علاقاته ويسعى لتعزيزها وينمي مهارات التواصل والذكاء الاجتماعي لديه ويحاول دائماً أن يُفيد ويستفيد من الاخرين.

هذه المهارات والصفات يجب تعلّمها وصقلها باستمرار إذا ما قرر الشخص أن يختار طريق ريادة الأعمال، ورغم أن هذه المهارات تنمو بشكل أسرع إذا كانت بذورها موجوده أصلاً في الشخص ومارسها مسبقاً في حياته العامة، إلا أنها بالأخير صفات وخصال قابلة للاكتساب، فهي كالحِلم، والحِلم بالتحلّم كما قال الرسول الحبيب.

النقطة الأخرى المثيرة للإجابة على السؤال هي لا تنحصر بذكر صفات رواد الأعمال، وإنما بنظري تتعلق بـ “النيّة”. سؤال نسمعه دائماً ويتكرر، سؤال بسيط ولكن إجابته يجب أن تكون مقنعة لرائد الاعمال نفسه قبل أن يقنع الاخرين. وهو “لماذا هذا المشروع أو هذه الفكرة بالذات؟”

غالبأ مانسمع من الاخرين أن السبب وراء بدئهم لمشروع غير المال هو إما للفرص التي يفرضها السوق أو بدافع الشغف، وهي أسباب جيدة. ولكن وجهة نظري أن الشغف ربما يتبدد أو يتحول في أي مرحلة مع تغير ظروف الحياة الشخصية أو المهنية أو الاقتصادية، فهو ليس دافع قوي لأن يُحمل عليه مشروع. والفرص التي يفرضها السوق ليست سبب وجيه ومقنع لأن السوق مليء بالفرص المغرية ولن تندر فيه الفرص يوماً ما، فالأصح أن يكون الاختيار نابع أولاً من الذات ثم حسب مايطلبه السوق وليس العكس. أما المال كسبب أول لبدء مشروع أيضاً ليس قوياً لأنه في حال تعثر المشروع أو لم يحقق الإيرادات المتوقعة أو تسبب بخسارة فسيتركه صاحبه ويستسلم هروباً من خسارة مضاعفة لأن لاشيء يمكن أن يدفعه للاستمرار إذا لم يكن لديه دافع غير المال.

إذاً مالذي يقوى على حمل المشروع في اللحظات الصعبة والأزمات؟

وحده الإيمان الذي يُبقي كل شيءٍ حي. حين يؤمن شخص بفكرة أو مشروع ما إيماناً صادقاً ومخلصاً فهو يتعدى مرحلة الشغف لأن الإيمان يعني أن لدى الشخص رسالة، والرسالة لاتتم إلا بتبليغها، وهي تأخذ وقتاً حتى تترسخ في الشخص ووقتاً أيضا حتى يجد ثمارها. المشاريع المدفوعة برسالة وإيمان غالباً تجدها مستمرة ولو بتحقيق عوائد بسيطة جداً ومعدل نمو مستقر إلا أنها رغم ذلك لاتصل لدرجة الإغلاق، لأنه يوجد إيمان.. ولأن الشخص الذي يؤمن برسالة ما يكون مدفوعاً بالمسؤولية على تحسين أو تقديم خدمة لهذا القطاع أو المجال الذي يؤمن به. على عكس المدفوع بشغف.. نسمع كثيراً أن شخصاً يقول توقعت أن هذا شغفي وجربت ولكن لم أجد نفسي بذلك الشيء فتركته.

الشغف مدفوع بعاطفة والعاطفة غالباً نفَسُها قصير ولا تصمد أمام التحديات.

بينما الإيمان صوته صادق ومدفوع برسالة ومسؤولية تُحتّم على الشخص أن يقول لنفسه هو أنا المسؤول عن هذا الشيء وهذه رسالتي التي يجب أن أؤديها. الإيمان هو الوقود الذي لا ينضب وإن نضبت كل الموارد الأخرى.

الآن نعود للسؤال: هل أي شخص ممكن أن يصبح رائد أعمال؟

نعم، إذا اختار وكان لديه الرغبة + عمل على تطوير شخصيته والمهارات التي تتطلب رائد الأعمال أن يتصف بها + أن يكون مدفوعاً بإيمان ورسالة تجاه فكرته

وربما يسأل نفسه أولاً: ما الرسالة التي أؤمن بها؟ ثم ينطلق للبحث عن المشاكل التي تتعلق بإيمانه، ويعمل لإيجاد حلول لها.

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s

%d مدونون معجبون بهذه: