أنتَ عَضُدي.. بكَ أُحاول

صادف هذا اليوم الجمعة يوم الاحتفال بنهاية البرنامج التدريبي الذي التحقت به هذا الصيف في لندن والذي استمر قرابة الشهرين. حينما عدت لغرفتي مساءً؛ أخذت وقتاً أتأمل كيف مرّ الوقت سريعاً لم أشعر به.. وبينما كنت مندهشة من سرعة تصرّم الشهرين؛ انتبهت أن هذا اليوم هو آخر أيام السنة الهجرية!

حقاً؟! أغمضت عينيّ وأجريت مسحاً سريعا لأبرز ما حدث هذه السنة، وفعلاً مرّ العرض السينمائي بمخيلتي سريعاً للدرجة التي انفتحت عيني فيها بسرعة البرق. 

الحياة قصيرة.. والأيام بدت تجري سريعة..

هذه السنة أعتبرها مختلفة لأن أحداثاً حصلت فيها لم تكن بالحسبان؛ فقد أخذت إجازة من عملي لمدة أربعة أشهر وكان الدافع أن “أقرأ وأكتب” فقط.. أن أجد الوقت لأطلّع على ما أريد وأن أكتب بشكل شبه يومي تدوينات شخصية.. فقط كنت أريد أن أستمتع ببساطة. الحدث الآخر الذي تلا هذه الأشهر هو أنني قدمت استقالتي وكان هذا القرار جريئاً حاسماً ولكنه في وقته.. بعد ذلك قررت الذهاب إلى لندن ولم يكن لدي خطة واضحة، فقط لمجرد قضاء الإجازة والانفتاح على فرص أخرى.. وما أن وصلت إلا وجدت نفسي بين خيارات واسعة أحدها هذه الدورة في أحد أفضل جامعات الأعمال في لندن والتي اُختتمت اليوم..

هذا فقط جزء من أحداث أردت عرضها فيما يتعلق بالجانب المهني، أما الأحداث على الجوانب الأخرى الشخصية والفكرية والنفسية والروحية وغيرها فلا قيمة لذكرها في هذه التدوينة.

ما أريد إيصاله هو أنه بهذه المناسبة من انتهاء العام الهجري كان لكل واحد منّا قصته، أهدافه، أعماله التي تحققت وأحلامه التي لم تر النور بعد.. إخفاقاته ونجاحاته.. تعثّره وارتقاءه.. خيباته وآماله..

كل هذه ما هي إلا “محاولات”.. محاولات أن نكون أفضل.

إنه في اللحظة التي مرّت بلمح البصر وأنا أستعيد أحداث السنة الإيجابية والسلبية، وبينما كنت على وشك التفاعل معها درامياً؛ جاء ببالي دعاء الحبيب المصطفى عليه أفضل الصلوات وأتم التسليم حين كان يقول:

“اللهم أنتَ عَضُدي.. بكَ أُحاول”

لقد أوقف تذكّري لهذا الدعاء كل ردات الفعل والمقاومة التي كنت سأتفاعل معها وقت استرجاعي للماضي القصير المنصرم من هذا العام.. بمجرد أن استوعبت أني فقط كنت أحاول!

إنني تقبّلت أن كل ما فعلته كان مجرد “محاولات”.. وحتى لو لم تتحقق بعض التوقعات والنتائج المرجوّة إلا أن لي شرف “المحاولة” ووسام ذهبي أيضاً على “الاستمرار بالمحاولة”. وأنت كذلك أيها القاريء الكريم لك شرف ووسام إن كنت مازلت تحاول.

فإذا كان النبيّ عليه الصلاة والسلام يخبرنا أنه يحاول وهو نبي فما الذي يجعلنا نيأس من المحاولات ونستسلم؟

أخذت وقتاً أتأمل.. لقد كان النبي يدعو بهذا الدعاء قبل كل غزوة، وكان قد دعا به قبل غزوة بدر فأمدّه الله بملائكة مُردفين وانتهت بالفوز والانتصار رغم الخسائر البسيطة. ثم استعدَّ وحاول وكرّر الدعاء ثانيةً في غزوة أحد.. ولكن شُجّ رأسه عليه الصلاة والسلام وكُسرت رباعيته وقُتل أعزّ شخص على قلبه عمّه حمزة بن عبدالمطلّب وهُزم المسلمون ولم يكن النصر حليفه.. ولكنه كان درساً لقبول الفشل، ودرساً لإعادة صياغة الخطط، ودرساً للرضا بالنتيجة والقدر والثقة بالخطة الإلهية.. وفوق هذا كله استمر بالمحاولة.

لقد خلّد لنا هذا الدعاء ليُعلمنا أن نحاول ونستمر بالإعداد والسعي حتى على مضض ومشقة الظروف، ونحن الذين نشهد بتاريخه المليء بالصعاب والتحديات والرفض. إنه يؤكد لنا أنه يجب أن نحاول ونستمر بالسعي ونرضى بما يحدث أيّاً كانت النتيجة.

والذي أدهشني بحق؛ لطف الله بنبيّه بعد غزوة أحد حين تعجّب النبي مما حدث متسائلاً فنزلت الآية: ليسَ لكَ من الأمرِ شيء“.

وهذا درس آخر يأتي تباعاً بعد المحاولة.. وهو أنه برغم محاولاتك لاتحكم على النتيجة، لأنها ليست بإرادتك.

فقط.. هذه إحدى قوانين الحياة ببساطة.. أن نحاول ونحاول ونحاول.. وبالنهاية ليس لنا من الأمر شيء.. 

إنه لأمرٌ مدهش بالفعل! مثير للتأمل وباعث على الإيمان.. مُحيّر ومُطمئن بالوقت ذاته.

لقد مضى عامي الهجري مليئاً بالمحاولات.. نتائج متوقعة وأخرى صادمة.. فهمت فيه بعض الأسباب وجهلت الكثير، تعلمت أن أستجيب للأحداث كما تتكشّف بالقبول وإن كانت مُحبطة بدلاً من التفاعل معها. أدركت أن أحد أهم الأسباب وراء منحنا هذه الحياة لنعيشها هي أن نتكامل ونتسامح ونقدم الدعم ونتفهّم اختلافاتنا.. لأن كلاً منّا يحاول أن يكون نسخةً أفضل من نفسه وأن يكون غده أفضل من أمسه. 

إننا نحاول كثيراً.. ونفشل كثيراً.. ونتعلم كثيراً

نحاول أن نكون سعداء ونمنح السعادة لغيرنا

نحاول أن نعمل بإخلاص ونجاح

نحاول تحسين جودة حياتنا وعلاقاتنا

نحاول فهم الحياة والمواقف وكيف نتعامل معها بإيجابية

نحاول أن نتواصل ونتسامح ونتذكر الخير المكنون في كل واحدٍ منّا

نحاول أن نتطوّر ونتقدم ونكون أفضل

إن المحاولة فعلٌ رائع، وهي فعلٌ نبويٌّ كريم. 

فإن كنت مازلت تحاول؛ فكل عام وأنت بخير.. وعام مبارك بالمحاولات التي تغمرك بالرضا والسلام وتحقيق الأمنيات.  

.

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s

%d مدونون معجبون بهذه: