ما تعلمته من ماكنزي (1)

الأسبوع الماضي بدأت برنامجاً تدريبياً من ماكنزي، يقدم ركائز هامة وأساسية للنجاح في البيئة المهنية على مستوى الذات أولاً ثم على مستوى الفريق وعلى المنظمة ككل. سأشارككم هنا بعض المعرفة العامة والمفاهيم التي دونتها في مذكرتي من ملخص الأسبوع الماضي بأسلوبي وإضافة بعض الأمثلة والتوضيحات ..  ما أكتبه هنا ليس المنهج المعرفي وإنما تلميحات وإضاءت جرى الحديث عنها خلال الدورة.

أولاً: مفهوم “النيّة” في بيئة العمل

يقول خبراء ماكنزي إننا نعيش في عالم معقد به محفزات مهنية وتعليمية أكثر مما يمكننا التركيز عليه، لذلك فإن تحديد “نيّة” لرغباتنا المهنية والتطويرية يساعد على تجاوز الضوضاء وتحييد الطريق الموصل للهدف بناء على ما حددناه على أنه مهم لنا شخصيًا.

وعليه أشاروا لطريقتين لتحديد نوايا مهنية وتطويرية هادفة، وهي:

  • التركيز على الرحلة: بحيث تضع النتيجة المرجوة على أنها “نية” مقابل ” تحقيق هدف”. لأن النوايا تهتم بالتجربة نفسها وليس الهدف النهائي، وهذا يسمح باكتشاف أفكار جديدة ويساعد في نمو متنوع ومرن دون ضغط الركض والملاحقة لتحقيق الهدف.
  • أن ترتبط النية بمعنى: يعني أن تربط تطورك المهني وتعليمك بشيء له مغزى شخصيًا بالنسبة لك مما يعطي مزيداً من المتعة والرضا حتى في ظل تواجد صعوبات وتحديات، لأن “المعنى” هو المحفّز والوقود لك.

الفرق بين النوايا والأهداف

لقد أعجبني اختصار التفريق بين المفهومين السابقين من مكانزي، فالفرق الجوهري بينهما هو أن:

الأهداف تكون مفيدة عندما يكون هناك شيء محدد نريد تحقيقه ونحن بالفعل نمتلك المهارات أو المعرفة التي نحتاجها لتحقيق ذلك.

بينما النوايا تكون مفيدة عندما نكون بحاجة لبناء مهارات ومعارف جديدة، خاصة عندما نلتحق بوظيفة جديدة أو يُتطلب منا القيام بالمهام بشكل مختلف.

إليكم هذه الأمثلة عن متى تضع “نية” ومتى تضع “هدف”:

1-     في مرحلة مبكرة: عندما تواجه مهمة أو تحديًا جديدًا لأول مرة، ولا تعرف كيفية القيام بذلك حتى الآن ← ضع نيّة للتعلم والاستكشاف.

مثلاً: إذا انضممت  لفريق جديد، ضع “نية” تعلم لمعرفة كيفية عمل الفريق.  حيث يكون تركيزك على البحث والفهم والاطلاع والاستماع للفريق عن كل مايعني المنظمة من معاييرهم الثقافية، وتيرة اجتماعاتهم، أدوارهم الفردية، وما إلى ذلك.

2-     في مرحلة بالمنتصف: يعني عندما تتعلم بعض المهارات حول القيام بمهمة ما ويمكن أن تمارسها ببعض النجاح، ولكن لا يزال لديك المزيد لتتعلمه ← ضع مزيج بين هدف للتحقيق + نية للتعلم.

مثلاً: إذا كنت تعمل في الفريق لبضعة أشهر ولكن لا يزال لديك الكثير لتتعلم. سيكون لديك أهداف أداء (إدارة اجتماع ناجح لزملائك مثلاً)، ولكن أيضًا نوايا التعلم مثل (فهم تجاربهم السابقة في تحقيق مكاسب) وذلك لتكون قادرًا على طرح أفكار جديدة بشكل أفضل.

3-     في مرحلة متقدمة: عندما تتقن مهارة أو مهمة جديدة تمامًا ← حدد هدفًا واضحاً للأداء

 مثال: يجب أن تستخدم معرفتك الحالية وخبرتك حول آداء المهام والمشاريع، مثلاً سيكون لديك هدف لزيادة المبيعات بنسبة 10٪.


ثانياً: تطوير عقليات قابلة للتكيف والمرونة

يقول خبراء ماكنزي لان عقولنا بهذه القوة وهذه المرونة فإنه يمكننا جميعًا تغيير “عقلياتنا” والتحول إلى عقليات أكثر فائدة لنا حيث تسفر عن تحسينات غير عادية في الأداء والسعادة وحتى الصحة البدنية.  لذلك معرفة عقلياتنا وتغييرها عند الضرورة هي ركائز أساسية للقدرة على التكيف والمرونة والنجاح في بيئة العمل.

ما هي العقليات؟

العقليات هي المعتقدات التي يستخدمها عقلك لرؤية المواقف. وهي تؤثر على رؤيتك لنفسك والعالم من حولك بما في ذلك كيفية تفاعلنا مع الآخرين. وأكثر من التأثير على طريقة رؤيتك وتفكيرك وشعورك تجاه الأشياء، فإن عقلياتك هي التي تقود سلوكك في النهاية. 

على سبيل المثال، لنفترض أن مديرك طلب منك تصميم مرئي لكتيب.  إذا كانت فكرتك الأولى هي: “أنا لست جيدًا في هذا النوع من الأشياء”، فهذا يعني أنك تعمل من منطلق “عقلية ثابتة” – والمهمة التي بين يديك قد تجعلك تشعر بالقلق أو حتى بالضيق مما يؤدي بك إلى المماطلة وتجنب الوظيفة.

ولكن في المرة القادمة (حتى تصيد نفسك😊 ) إذا علمت أنك تعمل من “عقلية ثابتة” فإنه من المستحسن أن تختار نهجاً مختلفاً.  “عقلية النمو” مثلاً  تفكر بهذه الطريقة “أنا أستمتع بفرص جديدة لتنمية مهاراتي” وهذا يجعلك متحمسًا وفضوليًا بشأن هذا التحدي الجديد. 

في أي لحظة ، يمكن أن تكون العقلية التي تعمل من خلالها إما اختيارًا متعمدًا أو واحدة من العقليات الافتراضية التي يحملها كل واحد منا.

ولكن من أين أتت هذه العقليات الافتراضية؟ عادةً ما تتشكل من خلال التجارب السابقة وردود الفعل التي مررنا بها في مواقف مماثلة.  نتيجة لذلك، لدينا عقليات مفيدة وبعضها ليس مفيدًا جدًا. ولمجرد أننا نحمل كل هذه العقليات الافتراضية معنا، فهذا لا يعني أنه يتعين علينا دائمًا العمل انطلاقا منها.  بل يمكننا اختيار العقلية الأنسب اعتمادًا على الموقف في ذلك الوقت.

 ما أهمية هذا؟  يمكن للعقليات أن تمكّننا أو تعيقنا.  تؤكد الدراسات أن كل شيء بدءً من الإنجاز المدرسي والأداء الوظيفي إلى الرضا عن الحياة وإدارة الضغوطات وحتى الصحة الجسدية كلها مدفوعة “بعقلياتنا”.  لذلك بعد أن أصبحت الآن على دراية بتنوع العقليات، فلماذا لا تختار العقليات التي تخدمك بشكل أفضل؟

ما هي العقليات التي تساعد في بناء القدرة على التكيف والمرونة وتحسين الآداء؟

أكد خبراء ماكنزي من أن التصرف بعقليات جيدة سيمنح الموظف الفرص الكثيرة وسيرتقي بالمنظومة ككل إذا كان الجميع يحفّز على إدراك أهمية التصرف من منطلق عقليات جيدة، وعلى المدراء أيضاً نشر وترويج هذه العقليات ومناقشتها باستمرار. وأن القيادة الناجحة هي من تخلق الوعي بهذه العقليات وتشجع على ممارستها وتجنب المقيّد منها بمرونة.

هذه بعض الأمثلة على العقليات المقيدة الشائعة، بالمقابل ستجد أمامها عقلية بديلة أكثر قابلية للتكيف.

كيف يمكننا تغيير طريقة تفكيرنا؟

قدّم خبراء ماكنزي استراتيجية بسيطة لتغيير عقلياتنا المقيّدة، وأنه لدينا الفرصة لتغيير تلك العقليات عن قصد. هذه الاستراتيجية هي  “Awareness-Pause-Reframe” أو APR ، وتعني (الوعي-التوقف-إعادة التأطير).

  • الوعي: وهي أن تكون على علم بأنك تعمل من عقلية “افتراضية” مقيّدة وتدرك كيف تؤثر سلباً على سلوكك. 
  • التوقف: أن تتوقف مؤقتًا من أجل خلق مساحة للتركيز على ذاتك حيث تسمح لنفسك باختيار القيام بشيء مختلف.
  • إعادة التأطير: أن تستخدم أسئلة محددة لإعادة صياغة عقليتك الافتراضية إلى عقلية جديدة تخدمك بشكل أفضل، مثلاً ما الفرص التي ستكون متاحة لو غيرت طريقة تفكيري؟

هذه الاستراتيجية مفيدة للتغير الحالي وأيضًا على المدى الطويل. حيث يمكن أن تساعد الممارسة المستمرة لـ APR في تغيير أي عقليات راسخة أصبحت الافتراضية بعد سنوات من التكرار والتعزيز. أشار خبراء ماكنزي إلى أهمية التدرب على دمج الأسئلة التي ستساعدك على إعادة صياغة عقليات معينة، وجرى عليها تدريباً عميقاً لكل عقلية.

كانت هذه بعض المفاهيم العامة من برنامج ماكنزي والتي اخترت مشاركتها إياكم باختصار شديد حتى تعمّ الفائدة وتزدهر بيئات الأعمال بارتقاء وتطور الأفراد المستمر.

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s

%d مدونون معجبون بهذه: