
وهنا تكمنُ قوتها.. الصحراء التي تَقهر ولا تُقهر.
مشى على رمضائها أبطال، وصعد أعالي قممها صحبُ المصطفى الأخيار..
شق النور طُرقها فضوّت، وصهل الخيل فيها فقامت منذ حينها وما قعدت، وما زال النخل فيها باسقاً بعزّته، والسيف رمزاً شاهداً يُنذر بسطوته.
رمضاؤها حارقة.. ولكن من تحت ترابها تفجّر الزيتُ ثروةً ونعيما.. ومن قبله تفجّر زمزمُ بركةً ومعجزةً وتفضيلا.
وللصحراء حقٌّ أن تعتزَّ بأصالتها وتفخرَ بشقوقها، وأن تحتضنَ في أرجائها صخوراً ورمالا..
فلولا شمسها ماكان نعيمها ورغدها، ولولا جفافها ما كان الزيت يتوقّد اضطراماً بداخلها.
فلك الحمد يا الله على ماقسمتَ لها وأبدعت، وعلى ما فرّدتها بطبيعتها وفجّرت..
إن هذه الصحراء لهي رمز القوةِ والصلابة، ورمز الإباءةِ والتجلّدِ والبسالة.
من طبيعتها انطبع العربي السعودي فصار مثلها قوياً جلدا.. لا تقهرهُ الظروفُ والأعاصير، ولا يغلبه الجفاف واللهيب. وإنه مثلها يتفجر سخاءً وكرماً.. يتدفق بالعطاءِ ولا يخشى أن ينضب ما بيده كما الزيت في باطنها دائمٌ لا يزول.
إن هذه الصحراء لهي صناعةٌ إلهيّةٌ بديعة.. لا يُوقّرها إلا من تأمّلَ رمالها وشقوقها ويباسها. ولا يقدّرها إلا من تفكّرَ بصخورها والنحوتِ المهيبةِ على وجهها.. ولا يُعجبُ بها إلا من نال من صمودها شيئاً فأحسَّ بها وانتمى إليها طوعاً وحبّاً كأنها أُمّه وأباه.
إن هذه الصحراء صامدةٌ باقيةٌ ما اهتز ذراعها أبداً وما اختل توازنها. وإنها شاهدةٌ على البقاء والثبات والإقدام المستمر..
فريدةٌ في خلقتها، أصيلةٌ في كونها وكينونتها، لاتشبهُ أرضاً ولا يتشبّه بها شيء..
فمن قال إنها قاحلة؟
بل إنها متوهجةٌ بالذهب والجلال والنور والعظمة..
ومن قال إنها شهباءٌ حارقة؟
بل هي صامدةٌ قاهرة لايقوى عليها إلا أقوياء مثلها..
وهكذا هو السعودي الأصيل.. متكيّفاً ومتحدّياً في الوقت ذاته..
يرى الرمل انعكاساً لعظيم خِلقته وتصويره، ويجمعهُ في يده فلا يدري أهو جزءٌ منه أم هو أصله..
فلنقدّر هذه الصحراء الخلاّقة، ولنفخر بطبيعتها المتفرّدة، ولنتمعّن صناعة الخالق في إبداعها.
وإن إبداع الله في صنعه كله جميل.. وما صنع إلا جميلاً وأبدعه، وما خلق شيئاً إلا بحسنهِ فرّده.
وإنه ليعجبني حِفاظ الشيء على أصله، وتفّردهِ بكنههِ الذي لامثيل له.. فإن الجمال في الأصالة، وإن الثقة في التفرّد، وإن الإبداع في الامتزاج المتزن الذي لا يسلبُ الشيء هويّته ويُضيّع معالمه.
وإن هذه الصحراء لهي رمز الثقة والأصالة والإبداع.. وكل عام وصحراؤنا ومن يحكمها ومن فيها من قوةٍ إلى قوة ومن عزّةٍ إلى عزّة..