عباطتي مع مُقيّم اختبار الايلتس!

من يعرفني عن قرب يعرف أني لست شخصاً عبيطاً، ولكن ربما يكون هناك حالات استثنائية يظهر جلياً هذا النوع من العباطة.

حسناً.. لندخل بالموضوع الآن.

قبل يومين كان لدي اختبار ايلتس، لم أكن مستعدة لادراسياً ولا نفسياً وربما لهذا السبب تكاتفت الظروف لأصبح عبيطة.

كان موعد اختبار المحادثة الساعة 12 ظهراً، ومَن لا يعرفه هو اختبار يقيس مهارات التحدث باللغة الإنجليزية وينقسم إلى 3 أقسام، (تعارف وأسئلة عامة، حديث عن موضوع يختاره المُقيّم، وأخيراً نقاش حول الموضوع الأخير) هذا كله قرابة نصف ساعة.

نعم.. نصف ساعة من العباطة

دخلت غرفة الامتحان ورحّب بي المقّيم الذي لم أستطع أن ألتقط اسمه، وبدأنا..

تعرّف عليّ قليلاً ثم انتقلنا للجزء الثاني وهو موضوع يختاره وعليه أسئلة مفتوحة.

كان الموضوع عن ال Losing and finding things  أشياء تفتقدها وتجدها لاحقاً، وعليه كانت الأسئلة التالية التي يجب أن اجيب عليها متسلسلة:

  • هل افتقدت أشياء مسبقاً؟ ما الذي تفتقده عادةً؟
  • ما الذي تفعله إذا افتقدت شيئاً؟
  • هل وجدت شيئاً ضائعاً من قبل؟ ماهو؟

نظرت إلى وجه المقيّم هُنيهةً.. لقد كان كبيراً في السن ربما في نهاية الخمسينات ويلبس نظارة تغطي نصف وجهه تعطيه مزيداً من الحكمة والوقار. هنا مربط العباطة “الحكمة”، لقد استغليت قلب الموضوع لأعبر عن شيء مختلف.. شيء أفتقده يكون غير مادياً أو محسوساً، أحسست خلال الثوان القليلة التي نظرت بها إلى وجهه أن هناك حبل أفكار مشترك بيننا!

فقلت حسناً سيدي سأبدأ التحدث الآن..

لن أخبرك عن الأشياء التي عادةً يفتقدها الناس والتي يجدونها بسهولة أو ربما يجدون عنها بديلاً، لن أتكلم عن فقدي لنظارتي الشمسية أو مفتاح سيارتي أو سماعات الأذن. الذي سأخبرك به هو أنني أفتقد نفسي أحياناً.. >> ابتسم للمرة الأولى وهنا أحسست أن فرضية الحبل بيننا صحيحة..

نعم إنه في كثير من الأحيان أجد نفسي في منتصف طريق لا أدري كيف وصلت إليه فأشعر بالضياع حقاً، أو ربما ينتهي الطريق بلا وجهة فأحس بنفس شعور الضياع السابق. هناك كثير من المسالك المتفرعة يميناً ويساراً والتي بدورها تشتت انتباهنا للبوصلة. أعتقد أن هذا الأمر حتمياً  على البشرية وهو سبب وجود الإنسان على الأرض، وهذه هي إجابة السؤال الأول..

أؤمن أن الأمر الذي يجب على الإنسان أن يفعله إذا ضيّع طريقه أو فقد ذاته لا إرادياً أن يعود إلى كهفه.. إنها طريقتي في العزلة >> ضحك للمرة الثانية فأحسست أن هذا الحبل بدأ يشتد بيننا، ألم أقل لكم إنه يشبه حكيم قرية؟!

أكملت.. أيضاً في خضم هذا الضياع لدي دليل إرشادي دائماً أعود إليه وأحاول إسقاطه على أسباب الضياع والتشتت، ألا وهو قيمي الحياتية.. لدي عشرة قيم واضحة أسير عليها في رحلتي سواء ضعت أو احترت أو حتى تغيرت. الأمر الأخر الذي أفعله إذا تهت أيضاً أن أنظر للسماء.. لن أقنعك أن النظر للسماء هو خارطة الطريق ومصدر النور وهداية الحائرين، فقد كان القدماء منذ الأزل يستهدون بالنجوم وأشعة الشمس إذا فقدوا طريقهم.. >> هنا ابتسم و أومأ رأسه يمنةً ويسرة..

قلت له أذكر أنني شاهدت فيلماً اسمه Truth and Justice وكانت أول عبارة بدأ بها الفيلم “ماذا يفعل الشخص الذي ضل الطريق ولا يدري أين يذهب”، والإجابة وردت في عبارة مختصرة في نهاية الفيلم، لن أخبرك بها، سأترك لك متعة المشاهدة : )

أما عن السؤال الثالث، فبالتأكيد يا سيدي أني أجد نفسي أقوى بعد كل ضياع. إنه شعور مبهج للغاية ولكنه بنفس الوقت يبدو خدعةً أحياناً وربما مُضللاً، أعتقد أنك تتفق معي في فكرة أن الإنسان سيستمر في اكتشاف نفسه والعالم من حوله إلى أن……. ثم قاطعني لانتهاء الوقت!

بعد ذلك انتقلنا للقسم الثالث وهو نقاش حول هذا الموضوع الشيّق.. : ) والهدف منه أسئلة توضح قدرة المتحدث على استخدام صيغ الماضي والمستقبل والمقارنة بين الأشياء، فكانت حقاً مناقشة ماتعة.. ثم انتهينا.

نزلت في المقهى القريب أنتظر بدء اختبار الكتابة.. وحين أصبحت الساعة 4 مساء رجعت وقابلتني مُنظمة الاختبار وقالت: سهام، نعتذر.. لقد فقدنا تسجيل اختبارك المحادثة، لم نجده ضمن قائمة التسجيلات.. ولذا عليك إعادته الآن أو أي وقت آخر.. قلت: ألا يوجد خياراً أفضل؟ قالت: لا.. قلت: حسناً لا بأس.

بعد ربع ساعة نوديَ على اسمي فذهبت لذات الغرفة ووجدت نفس هذا الحكيم الموقّر ينتظرني.. ابتسم ابتسامة عريضة وقال أهلاً بك مجدداً، نعتذر للخلل الذي أعادكِ إلى هنا.. قلت لابأس سيدي، إنّ أسألتك مثيرة للاهتمام وقد استمتعت حقاً.. أرجو أن يكون الموضوع التالي مثيراً كذلك حتى أستطيع أن أتحدث لك عن فلسفتي.. ضحك ثم بدأنا.

أعدنا القسم الأول وهو التعارف ولكن بأسئلة مختلفة.. ثم جاء القسم الثاني وهو الموضوع المؤلف من 3 أسئلة.. وكان هذا الموضوع مفاجئاً للدرجة التي ضحكت بها ضحكة سخرية من الحياة مرةً أخرى..

لقد كان الموضوع عن الصبر.. لا أعتقد أن كلا الموضوعين مُصادفة.. لقد جاءا ليُحدثا شيئاً ما.. لأتكلم ربما فقط..

كانت الأسئلة الفرعية كالتالي:

  • ماهو الشيء الذي يصبر عليه الناس عادة؟ والذي تصبرين أنت عليه أيضاً؟
  • لماذا هذا الشيء يستحق الصبر والانتظار؟
  • ما الذي تفعلينه أثناء انتظارك لشيء ما؟

قبل أن أبدأ قلت له إن هذا الموضوع لا يكفيه الوقت المخصص للامتحان، ولكني سأحاول اختصار فلسفتي على أية حال..

بدأت أتحدث وكان الحديث مثيراً كالسابق ولكن ليس لدي وقت لأكتبه الآن.. بالطبع: أوقفني قبل أن أنتهي للمرة الثانية…

إنني أعرف نفسي تماما في الأوقات التي أصبح فيها ثرثارة.. وهي أوقات استثنائية مثل هذا الوقت الذي أقضيه في مناقشة فلسفة ما. أما في معظم الأوقات التي يكون فيها الحديث مكرراً وروتينياً ربما لا يُسمع صوتي.

حين انتقلنا لجزء المناقشة.. سألني أسئلة كثيرة ختمها بـ: هل أنتِ صبورة؟

قلت له: لو لم أكن كذلك لما أعدت الامتحان مرتين دون أن أُحدث ضجة وأشتكي على الفني المختص.. إلا أني فوق ذلك سعدت بمقابلتك والأسئلة المثيرة التي تطرحها عليّ..

ابتسم بلطف ثم أخذ منديله ليمسح نظارته..

وقبل أن أودعه قلت: أستبيحك عذراً سيدي، لقد اعتديت على لغتكم بكثرة أخطائي النحوية.. إن المواضيع كانت مثيرة للدرجة التي فقدت تركيزي على معايير تقييم الاختبار اللغوية وانسجمت بالحديث عن فلسفتي الخاصة.. أخطأت حين ظننت أنها جلسة لايف كوتشنق : /

ضحك هذه المرة ضحكة تقول أني سأحصل على درجة عالية!

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s

%d مدونون معجبون بهذه: