أصدقاء المرحلة: قلم ودفتر وأفوكادو

هذه الأيام أستطيع أن أقول: خير صديقً في الزمان “قلم ودفتر” : )

منذ بداية العام الميلادي اخترت أن أمارس الكتابة بشكل شبه يومي “بقلم ودفتر” ليس بالجوال أو الكمبيوتر لأن التجربة تختلف تماماً.

الهدف الذي من أجله بدأت الكتابة هو أنني أريد أن أضع أفكاري على الورق.. لتترتب.. أو بالأحرى ليترتّب ذهني وطريقة تفكيري.

تأكدت بعد هذه التجربة التي دامت 7 أشهر أنني فعلاً أصبحت أكثر وضوحاً فيما أريده وما أشعر به، حتى أنني امسك القلم وليس ببالي أي فكرة أريد الكتابة عنها.. فقط أمسك القلم وأضع الدفتر أمامي وأعقد صداقة بين الاثنين.

لاحظت أني في كل مرة أكتب بطريقة مختلفة.. ومرات أكتب أفكاراً مبعثرة ليس لها معنى. وكما أن نمط الكتابة يختلف في كل مرة؛ كذلك الهدف الذي أمسك به القلم يختلف في كل مرة..

في هذه التدوينة سأستعرض أهم أهدافي في ممارسة (الكتابة بشكل شبه يومي):

  • ترتيب الفوضى والتفكير بصوت عال:

لا أخفيكم أن الكتابة بهدف ترتيب الأفكار أجدى معي نفعاً وأصبحت أكثر وضوحاً.. إنني لا أكتب بطريقة احترافية أبداً ولا أهتم بالتعبير وانتقاء المفردات.. فقط أكتب ما أتحدث به مع نفسي على الورق. لقد ساعدني ذلك على أن أرى الأفكار أكثر وضوحاً وأكثر ترتيباً من حيث التسلسل والأولوية.

التحدث مع القلم والورق ليس مثل التحدث مع شخص آخر، إنني أعتبر القلم والورقة شخصاً مجازياً ولكنه لايحكم، ولا يوجّه طريق الأفكار ولا يُحاكمها.. شخص آخر يحُسن الاستماع ويُحفز على الحديث باستمرار دون مقاطعة أو تقويض.. إنه يساعد على تدفق الكلام وكأنك أمام المرآة، أو كأن الذي تتحدث إليه يعرفك كما تعرف نفسك تماماً؛ حيث أني لا أضطر أن أشرح فكرة غامضة أو معتقد أو تاريخ سابق.. القلم والدفتر يعرفونني دون بذل أي جهد للتوضيح أو التبرير، ويتقبلون حديثي دون أي حكم أو مقاطعة.

لم يكن ذلك مساعداً على ترتيب الأفكار فحسب؛ بل على ترتيب حياتي وروتيني بشكل عام. القلم والورقة صديقان حميمان أكثر من لوحة المفاتيح وشاشة الجوال.

  • فضفضة راقية:

لست أنا الوحيدة التي استنتجت هذه الخلاصة؛ كثير من الدراسات والمختصين كتبوا عن العلاج بالكتابة ويمكنكم البحث عن ذلك بقوقل. بالنسبة لي لاحظت أن إحدى الحالات التي أمسك فيها القلم هي عندما أكون منزعجة من شيء ما.. أجد أن أفضل وسيلة في تلك الحالة هي أن أكتب. أكتب كل شيء كما أشعر به وأتفاعل معه وفي نهاية المطاف أشعر أني تحررت وارتحت وبدت المشكلة أسهل والحل أوضح. لقد وجدت أن الكتابة بدافع الفضفضة يشكل تقريباً 50% من الحل الذي أبحث عنه.

السبب الآخر الذي يجعلني أمسك القلم في مثل هذه الحالات هو أني شخصية كتومة لا أحب الكلام والحديث مع أشخاص عشوائيين.. أُقدّر خصوصيتي وخصوصية الأحداث التي أمر بها ولا أريد أن أطلع عليها الاخرين بداعي الارتياح من خلال الفضفضة. لدي اعتقاد أؤمن به وهو أن الفضفضة للآخرين طريقة لاتناسبني.. أيّاً كان الاخر؛ قريب أو صديق. أعي أن المشاكل التي تمر بالمرء تبدو أكثر تعقيداً من أن يُلم بها شخص آخر لا يعرف تفاصيل حياة المتحدث وظروفه الشخصية وتاريخه على مر السنين وحالته النفسية والفكرية وغيرها من الأبعاد المترامية الأطراف والمتشابكة. من تجربتي؛ وجدت أن الكتابة فعل رائع وسلوك مهذِّب وممارسة راقية تحث على الهدوء والحكمة.

  • للتوثيق والتعلّم:

خلال الفترة الماضية عقدت علاقة وطيدة مع القلم والدفتر للدرجة أنني اشتريت دفاتر كثيرة سهلة الحمل صغيرة الحجم. أصبحت أحب أن أكتب ماذا فعلت اليوم؟ ما الحدث الذي أثار انتباهي؟ ما الشعور؟ ما الرغبة؟ ما الدرس الذي تعلمته؟ حتى لو كان درساً مكرراً ولكني أكتب عنه لتوثيق معناه بطريقة مختلفة مرتبطة بالحالة التي أعيشها الآن. أصبحَت فكرة أن (أقرأني) بعد فترة فكرة ممتعة ومثيرة! حيث أرى تغيراً حصل في شخصيتي وفكري واطلاعي ووعيي.

انتبهت لهذا الهدف حين قرأت مرةً بالمصادفة بعض كتاباتي القديمة وكيف أنني لم أصدق أنه أنا التي كتبتها : ) لقد كنت أبدو وكأنني لست أنا فعلاً .. لأنه حين أكتب لنفسي وليس بدافع النشر فأنا أكتب بحرية وأفكر بطريقة مختلفة. هذا الشيء أبهرني لأنني رأيت في كل قصاصة شخصية تبدو مختلفة عمّا أنا عليه (وأحسبُ أنيَ جُرمٌ صغير وفيَّ انطوى العالمُ الأكبرُ). إنه شعور غريب وجميل جداً يجعلني أتفكر بنفسي وردّات فعلي ومشاعري وأفكاري التي طرّزتها على الورق.

التوثيق الكتابي مثير بالفعل، خاصة حين العودة إليه لاحقاً.. لأني حين أقرأ عنّي أكون أكثر إثارة مما لو أشاهد صورة قديمة لي.. الصورة توقف الحدث ولكن الكتابة تخبر قصة وتحكي أحداثاً وتتتبع تفاصيل وتستثير المشاعر بالكلمات فأعود كما لو أني في ذلك الوقت القديم.

  • للمتعة والإحساس بالإنجاز:

كتبت سابقاً تدوينة عن المشي وقلت أني لا أحتاج إنجاز كثير من المهام حتى أشعر أني أنجزت في يوم ما إن كنت قد مارست المشي في ذلك اليوم. مع الاستمرار بعادة الكتابة؛ أستطيع أن أضيف الآن أن الكتابة أصبحت تعتبر إنجازاً حقيقياً! هذا الثلاثي (التأمل- المشي- الكتابة) أصبح محوراً لرضاي اليومي؛ ما أن أمارسهم جميعاً حتى أشعر أني رائعة ومبهرة😊

إنه في كثير من الأحيان تزاحمني الاعمال ولا أجد وقتاً للكتابة ولكن يراودني شعور أن أتوقف لحظة وأكتب حتى لو كلمات مبعثرة أو ثلاثة أسطر على الأقل.. حين أكتب أشعر وكأني أكتشف شيئاً جديداً من خلال تلك الكلمات العفوية.. ربما هو شعور الفضول أيضاً الذي يستحوذ علي حتى يجعلني أريد أن أكتب وأعيد قراءة ما كتبته كاكتشاف آخر في وقت آخر،  وكأنني أمارس الفضول على نفسي .. إنه لأمرٌ مثير حقاً أن تكون فضولياً على نفسك، وأن تجرؤ أن تتحدث لذاتك وتقرأها.. إنه جزء من “وفي انفسهم أفلا يتفكرون”. أستطيع أن أؤكد الآن أن التفكر في الذات ليس فقط من خلال التأمل؛ بل ربما يكون أكثر جلاءً من خلال الكتابة عن نفسك لنفسك.. إنها مهمة صعبة ولكنها مثيرة ومفيدة على المدى البعيد وتشعرني بالإنجاز حقاً.

كانت هذه أهم دوافعي الشخصية للاستمرار بممارسة الكتابة واعتبارها عادة مقدّسة وعبادة روحية بنفس الوقت.

ولا يخفى علينا جميعاً كمسلمين أن الله أقسم بالقلم في مطلع سورة سميّت القلم حين قال: “ن والقلم ومايسطرون”. والقسم بالقلم تعظيم لقيمة الكتابة وتوجيه إليها واستحثاث على ممارستها كعنصر أساسي للارتقاء والنهضة على المستوى الفردي وحتى الاجتماعي والأممي. ومما يؤكد هذا المفهوم أن الوحي بدأ بقوله تعالى: “اقرأ باسم ربك الذي خلق- خلق الإنسانَ من علق- اقرأ وربك الأكرم – الذي علّم بالقلم”.. فالقراءة والكتابة فعلان متلازمان وعبادتان للنهوض والارتقاء والقوة.

صديقي الآخر الذي لازمني في هذه المرحلة هو الأفوكادو.. لا أعلم كيف وقعت بحبه للدرجة التي أشعر أن يومي ناقصاً إن لم يكن ضمن أحد وجباتي الغذائية 🙂

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s

%d مدونون معجبون بهذه: